واحد +واحد =خمسة ونصف

مائة وثلاثون ألف حالة زواج عرفي في الجامعات المصرية .. هذا الرقم ذكرته صحيفة مصرية منسوبا إلى إحصائية مجهولة المصدر تقول إن "أكثر من 255 ألف طالب وطالبة في مصر متزوجون عرفياً، يشكلون نسبة تصل إلي 17 % من إجمالي طلبة الجامعات، والبالغ عددهم 5.1 مليون طالب".
يا الله !!! هل يمكن أن يكون هذا الرقم صحيحا .. طبعا لا .. فمهما كانت ظاهرة الزواج العرفي منتشرة ومتغلغلة داخل المجتمع فمن المستحيل طبعا أن نصدق أن طالبا أو طالبة من كل خمس طلاب في الجامعات المصرية متزوج عرفيا .. والواقع أن هذا الخبر (ومثله كثير) يعبر عن مشكلة أكبر في الصحافة المصرية وهي مشكلة التعامل مع الأرقام
المؤكد أن لغة الأرقام هي اللغة الأكثر إحتراما وموضوعية وقدرة على التعبير في عالمنا الحديث خاصة في عالم الصحافة .. ولكن حتى تكتسب الأرقام قدرتها على التعبير تحتاج أولا أن تكون مستندة على مصدر مسؤول ومحترم .. وأن تكون نابعة من عمل إحصائي علمي محترم حتى تكون هذه الأرقام قادرة على التعبير والتحليل لحجم الظاهرة (أي ظاهرة) داخل المجتمع.
ولكن للأسف .. الصحافة في مصر وربما في عالمنا العربي بأكملة تتعامل مع الأرقام بإستهتار شديد .. .
طبعا هذه المأساة المهنية التي يقوم بها صحفيون كبار في فبركة الأرقام أو في إختراعها تعبر عن إستهتار فاحش بقيمة الأرقام والإحصاءات .. ولكنها تعبر أيضا عن غياب وتغييب كامل عند المسؤولين لنفس هذه القيمة .. فنادرا ما تخرج تصريحات المسؤلين الرسمية بأرقام يعتمد عليها .. حتى في أعلى مستويات السلطة .. فعلى سبيل المثال شهد مجلس الشعب المصري من شوية كدا جدلا ساخنا حسب تعبير جريدة المصري اليوم عندما اتهم المستشار جودت الملط، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، حكومة د. أحمد نظيف بأنها تعمل في جزر منعزلة، وقال: إن الوزارات تصدر بيانات مختلفة عن بعضها البعض، كما حدث في نسبة التضخم التي حصرها جهاز التعبئة والإحصاء بنسبة ١١.٤%، بينما أشارت وزارة التخطيط التي تشرف علي الجهاز، إلي أن النسبة ٨.٦%، ووزارة المالية ٤.٨% .. طبعا في ظل هذا التضارب والإستهتار في الأرقام الرسمية بين جهات حكومية .. يصبح من الطبيعي أن تنتقل نفس الفوضى الرقمية إلى الصحافة الرسمية .. ويصبح الرقم المذكور في أي تصريح أو مقال أو تحقيق صحفي غير خاضع لأي تدقيق أو مصداقية .
من المسؤول عن ضياع قيمة الرقم في حياتنا .. هل المسؤولية تقع على المسؤول الذي " يخبط أي كلام " لأنه يعرف أن لا أحد يحاسبه على الكذب .. أم أن المسؤولية تقع على الصحفي الذي يفبرك أرقاما لأنه لا يستطيع الوصول لمصدر محترم للمعلومات (لأنه لا وجود أصلا لأي مصدر محترم للمعلومات) .. أم أن المسؤولية تقع على مجتمع كامل لم يعد قادرا على التمسك بأبسط قواعد البحث العلمي والتفكير العلمي في حياته اليومية.

Posted in: